الجمعة، 27 سبتمبر 2019

روح الجدران

           الأمور النفسية عندما تختلط بالأشياء المادية تعطى لها بعدا آخر.. بمعنى أن جدران المنازل ليست جدران صماء خرساء وإنما مزيج من الحب والدفء والنشوة وأحيانا تكون مزيجا من اللهيب والمشاحنات والحزن، ومن الممكن أن نفس ذات الجدران تمتلك المزيجين على التوالى وذلك على حسب الأرواح التى تقطنها.

         عندما مر قيس على ديار حبيبته ومعشوقته أخذ يقبل جدران منزلها من ولهه بها ولأن هذه الجدران قد شهدت وجود حبيبته يوما ما وقال:

أمر على الديار ديار ليلى
أقبل ذا الجدار وذا الجدار
وماحب الديار شغفن قلبى
ولكن حب من سكن الديار

         المنازل العتيقة  أو منازل العائلات القديمة تمتلك سحرا خاصا لأنها معبأة بعبير الذكريات وعبق الحنين..ما إن تدخلها حتى تنهال عليك الذكريات من كل جانب، هنا بكيت وهنا ضحكت، هناك كان يجلس الكبار وهنا كان يلهو  الصغار، الجدران تحكى بصدق عما رأت وسمعت وكأنها جزء أصيل من تكوين ذاكرتك.

        الأمر لا يقتصر على جدران المنازل بالطبع ولكنه يمتد ليمس كل ما هو مادى ليصبح ذا روح إذا اتسق مرة أو مرات مع ما هو نفسي وروحانى أو بإختصار مع من نحب.. فنجد فى الشعر الغنائى حبيبا يعاتب القطار الذى أقل حبيبه بعيدا فيقول له "كان جنبى وبين ايديه بلمس ايديه بإيدى وجيت انت فى مغربيه وديته فين ياسيدى، ورمتنى غريب وحيد على رصيف بعيد أنا والسكة الحديد ياليالى مش راح نكون حبايب " وهنا أتخيل الحبيب واقفا أمام القطار واضعا يديه فى جنبيه ويعاتبه على أخذ الحبيب بعيدا بينما يقف القطار متجهما ويتصبب شحما ولا يدرى ماذا يقول!!.

فلما أحس الحبيب بحرج القطار قال" آه يا قطر الليالى يا ما عشقت صوتك “ ليلطف من وقع كلماته على القطار لكنه ما لبث أن تذكر غيبه حبيبه فقال" لكنى بقول ياريتنى ياقطر ما رأيتك... خدت الحبيب وروحت وفين يا قطر توهت وأنا مشتاق وعاشق وأنت ما ترحم حبايب "..

        الجدران والقطار هنا ليست جهه ود أو تخاصم إنما هى أشياء اكتسبت رونقها من مجرد ارتباطها بالمحبوب.. أشياء تكتسب الروح من فيض الحب الذى مر من خلالها، أو لقصر ذات اليد أصبحت هى كل مانملك لنسلو ونشكو ونبث الأشواق والهموم.. فنقبل الجدران، ونشكو القطار، ونلثم الملابس، ونمس العطور، ونعيد قراءة الرسائل.. طالما ما باليد حيلة للقاء الحبيب سيظل كل ما يخصه نائبا عنه نبثه الأشواق ونعاتبه عتابا كان من نصيب صاحبه الغائب.

0 comments

إرسال تعليق