الأحد، 12 أبريل 2020

كورونا 2

يقولون كل إنسان له حظ من إسمه ولكنها كانت شواذ هذه القاعدة،كان إسمها سارة لكن لم يعرف السرور إلى قلبها سبيل..ربما كان إسمها الحقيقى أشجان.. لا أحد يستطع ان يجزم فى الأمر، فهى لقيطة تبناها أحد غلاظ القلوب المهتم بتشغيل الأطفال وذلك كان إهتمامه الوحيد وفرصته العظيمة فى جنى الأموال.. 
تستيقظ سارة كل صباح على صياح فرغلى قاسي القلب، ليحثهم على كسب العيش والرزق الذى يبقيهم تحت كنفه ورعايته.. عدد لا بأس به من الاطفال العاملين ببيع المناديل الورقية، وجزء عم، ومد الأيدى الفارغة واستجلاب العطف حتى تمتلئ.. 
كان فرغلى ذكياً فى توزيع العمل والمهمات، الفتيات لبيع المناديل لأنها سلعة غير أساسية لكن تعاطفك معهن يجعلك لا تردهن خائبات.. والذكور لتوزيع جزء عم لانهم يمتلكوا من الجرأة ما يجعلهم يفرضون عليك كتاب الله فتخجل ان ترده.. والصغار وذوى الإعاقات لمهنة التسول، تسول العطف والشفقة وجلب المال.. 
تخرج سارة ببضاعتها محسوبة السعر _وهى وشطارتها _إما ان تعود بثمنها او أكثر قليلاً.. وذلك سيحدد إن كانت ستبيت فارغة المعدة أو ستحظى بوجبة خفيفة تدفع عنها وحش الجوع الذى يؤرق نومها.. 
طاقة الحب والحنان داخل قلب سارة لا أحد يعرف مصدرها، فهى التى ماذاقت حباً أو حناناً فى حياتها ومع ذلك تعطيه بإغداق وبذخ.. لذلك كانت محط حب جميع إخوانها فى سكن فرغلى القاسي.. ولأن الحب لا يجلب إلا الحب والحنان لا يأتى إلا بحنان فقد جنت ثمار هذه المشاعر من الصغار المتسولين.. لانهم الفئة الوحيدة ذات العمل الحر غير المرتبط بتحقيق هدف معين.. فكانوا يجنبوا بعض المال ويبتاعوا به الحلوى ويقتسموه معها فى سرية تامة، خشية أن تراهم عيون القاسي وتعاقبهم..

عمل ممتد من شروق الشمس حتى منتصف الليل مقابل وجبة غير آدمية وسكن يقتسمه أكثر من عشرين طفلاً ذكوراً وإناث..والويل لمن يرفع وجهه ليناقش او يطلب المزيد أو يحرض على الإنقلاب.. حتى الشكوى للشرطة يخافون منها فقد نجح أن يزرع فيهم الفرغلى الجبن،الإستكانة، والخضوع وان ناره أبرد من النار التى تحرق بها الشرطة اللقطاء أمثالهم والوشم الذين يوشموهم به بطول ظهورهم حتى يميزوا أطفال الشوارع عن غيرهم، غير أنهم يودعونهم فى سجون مظلمة كلاً على حدة حتى يصيبهم الجنون.. 
رجعت سارة ذات يوم بالمعلوم، وببعض علب المناديل التى لم تستطع التصرف بها.. انقضي النهار ولم تنته من بيع كل العلب فأنهال عليها بصفعه أنارت لها عينها.. اتهمها بالكسل والتخاذل وأخبرها بحرمانها من الطعام فنامت كسيرة الخاطر فارغة الجوف.. 
فى صباح اليوم التالى استيقظت التى لم تنم لحظة، يوم جديد بمهام مضاعفة حتى تعوض خسارة البارحة.. خرجت تترنح من التعب والجوع وما أقام عودها إلا بعض الحلوى التى زودها بها أحد الصغار الكرام.. تقيأتها بعد قليل.. حتى الحلوى لم تقبل وضع سارة المسكينة المستكينة، حتى الحلوى تأخذ قرار بالفرار من مكان لم يعجبها لكن المسكينة لم تعتد أخذ القرارات.. 
جلست سارة على الرصيف وأنهالت الدموع من عينيها، ماذا ستفعل بالعلب الباقية وقد أنتهى اليوم، هل ستعود بها لتتلقى عقابها أم تسهر بعض الساعات الإضافية لتتمكن من بيعها!  .. 

أفاقها من حيرتها بعض زملائها فى المهنة، وشركائها فى السكن،واشباهها فى البؤس.. وعرضوا عليها أن يشتركوا فى جمع ماتبقي من المال الذى يلزمها وعندما يسألهم الفرغلى يقولون أن حركة الناس أصبحت ضعيفة بسبب الحظر وحينها لن يستطيع أن يحرمهم جميعا من الطعام وتفلت سارة من عقابه الغاشم  .. 
نجحت خطتهم، قدم لهم الطعام.. لكن سارة لم تمد يدها، كانت على غير العادة متوردة الخد متقدة الجبين.. عيناها الناعستان تشيان بجمال عميق لكنهما ذابلتان مطفئتان تنظر بهما بحنان لمن شاركوها الشقاء .. اخذت توزع طعامها على إخوانها وتكتم سعال يهاجمها بين الحين والآخر فى صبر.. 
اشرقت الشمس، تجهز الجميع لآداء المهمات.. لم تأتٍ سارة لأستلام مهمتها.. صاح قاسي القلب وأكمل توصياته.. دخل ليتفقدها وهو عازم على تهشيم جمجمتها الصلبة، وجدها هامدة الجسد باردة الجثة..أخذ يقلبها بعنف فى غير تصديق..

سارة المسكينة المستكينة تشبه الحلوى، أخذت القرار بالفرار ولم تستطع الإنتظار أكثر فى وضع مٌذل.. فأسلمت جسدها الهش للفيروس الضعيف الإنتقائى .. رحلت سارة ولكنها أخذت القرار بأخذ جميع إخوانها فى البؤس معها.. سارة أقوى من الحلوى..



1 comments:

  1. ماشاء الله ربنا يبارك فيكي مبدعه والله يادودو

    ردحذف