الجمعة، 27 سبتمبر 2019

لن نفترق..

لو أننا لم نفترق
لظللت نجما فى سمائك ساريا
وتركت عمرى فى لهيبك يحترق
(فاروق جويده)

إنه الفراق نهاية النهاية وبداية المعاناة.. الحقيقة المؤكدة التى لاخلاف عليها، لا يمنعها حب ولا تضحية، الفراق هو نهاية المشوار وبداية الحنين ومفتاح الذكرى وصديق الألم.

لا عمر للعلاقات ولا خارطة ولذلك يباغتها الفراق بلا أى استئذان فيحول دون إكمالها ويجبر الكل أن ينشطر، الجميع يفترقون سواء كانوا أصدقاء أو أحبة، أتذكر فترة دراستى الجامعية كنت أعشق مجموعة من صديقاتى المقربات واللاتى كنت أفكر فى استحالة افتراقنا، تعاهدنا ان نظل دائما على تواصل مهما جرت  ريح الايام بما لا تشتهى سفننا، تعاهدنا على ان علاقتنا هى  شاطئ ظليل نأوى إليه من هجير الحياة وشظفها، الأحبة لا تفترق حتى لو سعت لذلك الظروف، قالت والدة أحداهن مرة لابد من الفرقة ( عاشر يا ابن آدم مهما تعاشر مسيرك مفارق) وظلت صديقتنا تردد قول والدتها ونحن نضحك فما يسير على جميع الخلق لن يستطيع أن يضع بصمته على علاقتنا، وافترقنا.. 

عند زواجى كان أكثر ما يؤرقنى ان أترك بيتى وأصص نباتاتى وشوارع بلدتى وأذهب لمكان غريب لا تؤنسنى فى طرقاته وجوه صديقاتى وأساتذتى وجيرانى، كيف سأنتقل بتلك السهولة وأفارق ذكريات طفولتى وأحلام شبابى؟! وماهى إلا بضع سنين وأصبحت ذكرياتى مشوشة وماتت نباتاتى وتكسرت الاصص القديمة  وتغيرت ملامحى، وصرت أسير فى الشوارع القديمة  أبحث عن وجوه صديقاتى وجيرانى وأساتذتى فلم أجدها، انتقلوا ام تغيروا لا أعلم ولكننا أفترقنا. 

أمى هى  زهرة حياتى، رفيقة أيامى وساكنة قلبى، اليوم والليلة معها والتفاصيل كلها نعيشها سويا بالثانية، لاشئ يفوتنى عن حياتها ولا شئ يفوتها عن حياتى، رغم الايام التى تقتضي بعدنا المادى إلا ان النفوس ملتصقة إلتصاقا متناهيا، حضنها هو مصدر طاقتى وإلهامى، يتسرب من خلاله تعبى وهمى وفكرى ويحل محلهم حب وتصالح مع الأيام.. عندما أرادها الله إلى جواره، حضنها كان أهم ما افتقدته وحاولت مليا ان أختزن منه الكثير وجسدها الطاهر ملتف بالكفن الابيض.. حان وقت صلاة الجنازة وحملوا الكفن، وافترقنا..

الفراق حقيقة مؤكدة، مباغتة، وصعبة.. حتى الروح يأتى عليها وقت وتفارق الجسد،توقيت الفراق يتميز بالحسم فلا فرصة للوداع، فقط التيه هو سيد الموقف،عيون ذاهلة وقلوب نازفة وأياد مرتجفة هن  بطلات المشهد، وفى الخلفية صوت دموع وأختناق آهات واجترار ذكريات..

يحكى عن الجنة أن بها أنهار من عسل مصفى ومن  لبن وخمر، هناك فاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة..إن لم يغريك كل هذا النعيم الذى ترنو له الأنفس، فتذكر ان هناك اللقاء بلا فراق، لن تفكر فى غصة القلب التى تصاحب التعلق المفرط فقط نلتقى نلتقى ولا نفترق..

3 comments: