الجمعة، 20 سبتمبر 2019

البكاء الوفى

هل جربت مرة أن تبكى وعز عليك البكاء؟! البكاء تلك العمليةالفسيولوجية التى خلقها الله مرافقة للحزن،
.. مزامنة للفرح، مطهرة للعين، ومجلية للقلب

البكاء تلك العملية المسعفة حين يثقل اللسان، ويعز الكلام، وتطفح الهموم فتصير ماءا حارا ملتهبا فتصيب سطح العين البارد نسبيا فتتكثف وتنهمر مخلفة ورائها آثار لهيب 
.. واحتراق

البكاء ذلك الصديق اللطيف تجده وقت الفرح، حين يرفرف القلب ويعجز اللسان عن الحمد وتنطق الجوارح بالحبور فتقرر توزيع سائل السعادة على جميع الأنحاء فتصيب العين بعض منها فتنهمر الدموع خفيفة مسكرة تجلو     النظرات..وتمحى بقايا أى مرار..

البكاء رفيق فى الحزن والفرح والكآبة والحبور، صديق دائم لا ينفك يرافقك.. ولو تمعنت فى البحث ستجد أن طبيعة الدموع فى الحزن مختلفة تماما عنها فى الفرح.. وستجد لبكاء الرجال طبيعة مختلفة عن بكاء النساء... فالنساء بطلات فى إستدعاء الدموع وكأنها على باب مقلاتهن، ما تلبث أن تجد سببا ولو بسيطا للبكاء حتى تتفجر به .. فرحا أو حزنا 
لايهم وإنما ما يهم هو توثيق اللحظة مع الصديق
.. الصدوق

بكاء الرجال متعقل إلى حد كبير.. صديق بعيد أخبرك أنه سيكون فى الخدمة حالما طلبته،ويظل الرجل يؤخر فى إستدعاء ذلك الصديق ويؤخر ويؤخر حتى يصل إلى مرحلة لا يجدى معها تأخير ويغلبه الحزن فيطلبه، فيأتيه حثيثا يخشى على كبريائه ان يمس وعلى رجولته أن تختلط بدموع فوارة سيالة فرارة تجرى فى مسارات غير ممهدة إلى غير 
رجعة فتزيد تركيز ملح الهم بعد تبخير ماء 
.. الدموع 

أشهد للبكاء دوما بأنه صديقى المقرب.. فى كل لحظاتى يشاركنى ولا يبخل عنى بدموعه المرة او المسكرة، فأنا كائن '' عيوط'' كما يدعوننى... أبكى فى الفرح بنفس كفاءة الحزن ودموعى دوما على أهبة الإستعداد تنتظر وأحيانا لاتنتظر 
سببا للهطول
.. الكثيف

وعلى غير العادة خاننى الصديق فى أحلك ظرف... وفاة والدتى كان موقف فاصل وحاسم فى علاقتى بالبكاء، أوج الحزن وقمة الهم ومنتهى الإنكسار ومجتمع الألم ولا دموع.. اختلطت آلامى وفقدى وخيبتى بمنبع الدمع فأحالتها ثقيلة كثيفة لا تجرى فى قنوات الدمع... ربما يضيف الفقد بعض الرمال إلى الدمع أو الكثير منها وقد يكون هذا التفسير الوحيد لحرقة الروح والعين.. ترسبت الدموع وطفت الرمال فأكسبت نظرتى عتمة مؤلمة ونظرة مشوشة محرقة،أو ربما للألم واللوعة طبيعة لزجة جعلها تتراكم فى مجارى الدموع وتضيق مساراتها فتضج الدموع بهذا الضيق وتلزم منابعها غضبى ثائرة حارقة يغتص بها القلب والروح... نصحنى الجميع بالإنهمار وأعطانى الطبيب قطرة تشبه الدموع لترطيب العين...ألا يوجد طبيب يعطينى مرطب للقلب وأنا كفيلة بأمر 
.. عينى

تغيرت علاقتى بالبكاء كثيرا بعد هذا الموقف.. جمدت دموعى وتصخرت مقلتاى، أحيانا يعود البكاء ليصالحنى ويطلب المسامحة فيهطل بدموعه على عينى دون قلبى.. وما الفائدة يا صديق ولم تسعفنى فى أحلك ظرف.. ألم تخلق الدموع لغسل القلب قبل جلى العين...وللعلم يا صديق قد يكون غيابك إستجابه لدعوة أمى عندما قالت '' يارب ما تنزلك دمعة حارة أبدا '' ربما كانت الصيغة تحتاج لتعديل وهى أن يصرف الله كل دموعى الحارة حتى لا تنحبس وتغلى وتصهر كل ما حولها وتذيبنى كقطرات الشمع.. نحتاج الدموع الحارة لتغسلنا وتطهرنا وتنفث طاقات الحزن والوجد 
. والفقدان.. ونحتاج لبكاء وفى لا يتركنا أبدا 

1 comments: