الأربعاء، 25 سبتمبر 2019

لا تستوحش

          كان هناك جماعة من المهاجرين من بيرو فروا من طغيان  الاسبان ثم حدثت إنهيارات صخرية فى جبال الإنديز فعزلت هذه الجماعة فى واد غامض.. ثم أصيبوا بنوع من المرض  ذهب ببصرهم وأورثوا أبنائهم العمى جيلا بعد جيل، جاءت الصدفة بمستكشف للجبال  يدعى نيونز حيث سقط من فوق الجبل إلى وادى سحيق لم يتبينه من كانوا معه، لم يمت وقام متألما ليستكشف المكان الذى سقط فيه.

كانت بيوت الوادى فاقعة الالوان، عديمة النوافذ، فصرخ على الناس ولم يلتفت أحد نحوه  فادرك أنه فى وادى العميان الذى يسمع عنه فى الحكايات.. إنهم إناس يستخدمون حواس السمع والشم واللمس لإستكشاف الأشياء، واليوم بالنسبة لهم دفئ وبرد ليس نهار وليل، هنا قرر نيونز ان يعلمهم ما الابصار وما يمكنهم أن يروه لو أبصروا، ولإقناعهم بأن البصر مهم قال لهم على شخص يأتى من بعيد أنه آت قبل أن يتحسسوه أو يسمعوا خطواته..فسمع الأخير بذلك فلم يأت فتشكك الناس فى أمر نيونز وقرر الهرب لكنهم لحقوه بمهارتهم فى التحسس والتجسس واستعمال باقى الحواس، وعندما فقد الأمل فى الهرب قال لهم انهم على حق ولا يوجد شئ اسمه الإبصار..
 أحب نيونز فتاة من الوادى وذهب لخطبتها فرفضه والدها بحجة أنه يمتلك زوج من الأشياء المنتفخة المحاطة بالأهداب الطويلة والأجفان المتحركة وقد أثر ذلك على صحة عقله فلابد أن يتخلص منهما حتى يستعيد صحته العقلية ثم يتزوجها.

رفض نيونز أن يتخلى عن عينيه مقابل زواجه بحبيبته وقرر الهرب.. وفى هذه المرة نجح وابتعد عن وادى العميان الذى يشترط فى مواطنيه العمى حتى تكتمل كفائتهم..

ذات يوم نزل طاعون الجنون فى نهر مدينة ما، كل من يشرب من هذا النهر يصيبه مس من الجنون، واجه الملك الطاعون وحارب الجنون فلم يفلح وقد تفشى الجنون فى كل أرجاء المدينة حتى وصل لأهل بيته، استدعى الملك مستشاره وسأله عن الطبيب فعرف أنه قد جن، وكذلك جميع الحراس ولم يعد هناك أى سليم غيره هو والملك.. فقال له الملك إغدق علينا بكأس من النهر لانه من الجنون أن تكون عاقلا فى مدينة المجانين.

قال سيدنا على بن أبى طالب "لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه" أحيانا يسلك المرء  طريقا من الوحشة يحسبه خاطئا، قد يكون فعلا مخطئ وهذا يستوجب سرعة التعديل وتصويب الإتجاه وإلا ستصل لوجهة غير مرجوة من البداية، وفى بعض الأحيان يكون طريقك الموحش هو عين الصواب والحق ولا بد من إكماله لآخره حتى وإن كنت وحيدا ،وليس شرطا أبدا أن تفقأ عينيك أو تشرب من نهر الجنون لكى تستأنس بالقطيع، كن وحيدا فى الصواب ولا تكن عصبة فى الخطأ..

0 comments

إرسال تعليق