الأربعاء، 25 سبتمبر 2019

الشيطان بين الإغواء والإجبار

هل الشيطان هو من يغوينا يا أبى؟!
هو يغوينا ولكن لا يجبرنا

جاءت هذه الجملة ضمن أحداث فيلم
pursuit  of happiness تأملت الجملة طويلا طويلا.. هل هو من يغوينا وهل فعلا لا يجبرنا؟!.

الإجابة عن السؤال الأول جاءت فى القرآن على لسان إبليس "وعزتك لأغوينهم أجمعين" أقسم إبليس على إغواء بنى آدم حتى يحيدوا عن الفطرة وعن الطريق الصحيح حتى تتساوى الرؤوس فى نار جهنم بمن كان أبوهم سببا فى إبعاده عن رضا الرحمن الرحيم.. عناد إبليس وإستكباره كانا عاملين أساسيين فى إرادته القوية فى إغواء بنى آدم وإهلاكهم. 

ذات مرة كان هناك رجلا قرويا مسكينا بالكاد يمتلك قوت يومه، كان يذهب يوميا فى الأراضي والحقول سعيا لطلب الرزق..وكان يحمل معه زاد من الخبر المقدد وعندما يجوع يأكله هنيئا مريئا.. وفى يوم خلع عنه معطفه ولف بين طياته كسرة الخبز وأخذ يعمل فى الحقل وعندما أصابه الجوع ذهب ليتفقد الكسرة فلم يجدها..

لم يجزع الرجل البسيط طالما ان الجوع ليس بقاتله، وتمنى أن تكون الكسرة قد وقعت فى يد من هو أحوج إليها منه، استغرب تلميذ إبليس وخاف على عشيرته من هذه الأخلاق الرفيعة والإيثار الفريد.. ما ذا لو نقل الرجل هذه الخصلة لزوجته وابنائه؟! فذهب لأبليس غاضبا وأخذ على نفسه عهدا بأن يغير هذا الرجل فى غضون ثلاث سنوات لا أكثر..

تمثل الشيطان للرجل وقال له أن يبذر الحب على ربوة ولحسن الحظ كان الجو رطبا فكان الانتاج وفير.. ثم نصحه الموسم التالى بأن ينثر البذور فى أرض رطبة وكان الجو لحسن الحظ جافا فنتج له إنتاجا يانعا..ثم كثر الحب عند القروى وزاد عنده الخير وماذا عساه يفعل بكل هذا! فأوحى له الشيطان بأن يصنع من هذه الحبوب خمرا سائغا للشاربين.

صنع الرجل خمرا وأخذ يتذوقه فأستساغه وشرب منه  هو وزوجته ووزع على أصدقائه الكثير، ثم أراد أن يحتفل بهذا الإنتاج فأقام حفلا كبيرا حضره الشيطان وإبليس سويا ليتباهى التلميذ بتفوقه فى إغواء هذا الرجل.

وبينما تقوم زوجة القروى بضيافة المدعوين سقط منها كأس الخمر على الأرض فنهرها زوجها بشدة وقال لها أن هذا ليس كماء البئر ليسقط من يدها وإنما هو أعلى وأغلى وأخذ يعنفها تعنيفا شديدا..حينها غمز التلميذ لأستاذه قائلا هذا هو الذى لم يهمه أمر كسرة خبز عندما كانت أغلى ما يملك والآن يغضب لكأس من الخمر.. ربت ابليس على كتف تلميذه محييا أياه فأردف الشيطان الصغير قائلا: الامر لم ينته بعد وسوف أريك لأدهشك.
دخل الحفل أحد الفقراء وجلس منتظرا كرم ضيافه صاحب المكان الذى ما أن رآه حتى صرخ فى وجهه قائلا أن بيته ليس بسبيل للفقراء والشحاذين وإنما يدخله أهل الغنى والحظوة..
مر الوقت وأخذ الضيوف فى إحتساء مزيدا من الخمر الذى جعلهم مغيبين فأخذوا يتملقون بعضهم البعض ويجاملون بعضهم البعض فى مراوغات كالثعالب.. وشيئا فشيئا زاد تأثير الخمر فأخذوا يتفاحشون ويتلاكمون كالذئاب.. ثم ما كان من رب الدار إلا أن طردهم ووقع صريعا كالخنزير فى بركة وحل أمام منزله وهو يترنح.

أبدى ابليس أشد الإعجاب بدهاء تلميذه المتفوق الذى حول القروى الفقير الزاهد إلى ثعلب مراوغ وذئب متوحش وخنزير موحول وأثنى على ذلك الشراب الذى يمتلك سر هذا التحول..

قاطعه التلميذ قائلا ليست الخمر هى سبب التحول لأن الإنسان دوما يحمل فى طبيعته الطبائع الحيوانية فى صوره كامنة طالما كان يمتلك أقل من ضرورياته، والدليل على ذلك زهد القروى فى كسرة الخبز فى حين عدم امتلاكه غيرها، وحينما امتلك أكثر مما يحتاج عماه الغنى وتمادى به الغرور وأخذ يبحث عن الملاهى والسرور  فصنع الخمر وشربها واستساغها وأظهرت عنده تلك الدماء الحيوانية من كمونها فأصبح وحشا ضاريا بعد أن كان بشرا سويا.

هذا هو منهج ابليس وتلامذته من الإغواء.. يعطى ويوجه، والإنسان يكمل الطريق ويبتدع فى طرائق الضلال.

الشيطان يوسوس للانسان بالكفر فلو وجده على الايمان يوسوس له بالشرك، فإذا وجده على توحيد يوسوس له بالكبائر، فإذا وجده على طاعة يوسوس له بالصغائر، فإذا وجده على ورع يوسوس له بالتحريش بين المسلمين فيوقع بينهم ويفرق بينهم ويغرقه بالمباحات حتى يهلك.

إنه عدو ماكر وعنيد.. يأتى للإنسان من جميع مداخله ليهلكه ولا يتورع فى إتيان البدع لتضليله، ويبقي للإنسان حرية الإختيار هل سيتبعه أم يثور على وساوسه ويخضع لأمر الله الذى حذرنا ونهانا وعلمنا عداوة الشيطان
"إن الشيطان لكم عدو فأتخذوه عدوا إنما يدعو من حزبه ليكونوا من أصحاب السعير "

العدو بين وطرق إهلاكه والتخلص منه بينة لذلك كل من إهتوى بهوى الشيطان فإثمه على نفسه ولأنه يجرى من ابن آدم مجرى الدم فقد أرشدنا رسولنا الكريم بأن نضيق عليه بالاستغفار.. إنها الحرب الأبدية بين بنى آدم والشيطان هو يوسوس ويغوى وبنو آدم يستغفرون ويتعوذون ويتجنبون الغواية والضلالة..وتبقى البشارة للمؤمنين..

"إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون"

1 comments:

  1. اللهم إنا نعوذ بك من همزات الشياطين ونعوذ بك رب إن يحضرون

    ردحذف