الأحد، 22 سبتمبر 2019

أديسون وبروتوس

حتى أنت يا بروتوس! قالها قيصر ثم مات.. ورغم تلقى يوليوس قيصر عدة طعنات إلا أن طعنة بروتوس كان لها كلمة النهاية.. قال له بروتوس أنه لم يكرهه ولكنه يحب روما أكثر فرد قيصر وهو يحتضر  '' إذن  فليمت قيصر'' ..

فليمت قيصر طالما طعنة الغدر جاءته من أقرب الأصدقاء، لو لم يستطع رغم كل ما حقق أن يحتفظ بوفاء أقرب صديق فالموت والحياة يستويان..أفكر لو عاش قيصر بعدها واجتر مشهد انقضاض الجميع عليه ومن بينهم بروتوس لكان مات ألف مرة حزنا وقهرا وكمدا.. 

وربما هذا كان إحساس نيكولا تيسلا وهو يرى إختراعاته وأفكاره تنشر أمام عينيه بإسم شخص آخر.. شخص يتنعم بعبقريته بينما يتضور تيسلا جوعا وفقرا ومرضا، شخص استغل معرفته بإصابه تيسلا بالوسواس القهرى وادعى أنه مجنون حتى يضمن ألا يفتضح أمر سرقته..ربما ستشعر حالا بالأسف عندما تعلم أن المؤامرة التى حيكت حول تيسلا أنت جزء معاون فيها، فبينما سوف تبحث عن إسم نيكولا تيسلا لتعرف من هو  بمجرد أن أذكر اسم سارقه توماس أديسون سوف يقفز إلى ذهنك ذلك المخترع الرابع عالميا فى كثرة انتاج المخترعات وحصد براءات الاختراع .مات تيسلا فقيرا وحيدا بينما تنعم أنت فى رفاهية الكهرباء وينعم أديسون بذكرى العلماء العظام..

كتب المنفلوطى فى كتابه النظرات عن اسطورة يونانية قديمة بطلها حكيما يهيم بزوجته حبا لدرجة بعيدة ويخاف جدا على درجة حبها له، ذات يوم كان يمر بجوار المقابر فوجد سيدة تنتحب بينما تمسك فى يدها مروحة بيضاء مطرزة بخيوط ذهبية، سألها عما تفعل وبعد محاولات أجابته انها تحاول أن تجفف قبر زوجها المتوفى منذ ثلاثة أيام حتى تفى بوعدها له ألا تتزوج قبل أن يجف قبره..

ذهب الحكيم لبيته غاضبا مما رأى، زوج يتوفى وزوجه تجفف قبره لتتزوج بغيره.. وحكى لزوجته التى لامت على السيدة واستنكرت فعلتها فسألها الحكيم هل ستفعل مثلها يوما فنفت بشدة وأكدت إستحالة ذلك..مرت فترة واحتضر الحكيم ومات فى أحضان زوجته بعد أن وصاها بضرورة الوفاء بعهده والإبقاء على ذكرى حبها له حتى بعد الوفاة ، وبينما تودعه الزوجة وتشبع من لحظاته الأخيرة معها زارهم  تلميذ من تلامذه الحكيم وعندما علم بموت أستاذه أغمى عليه وأسرعت الخادمة فى نداء سيدتها حتى تحاول إفاقته..

جاءت السيدة المكلومة وحاولت بشتى الطرق إفاقه التلميذ الشاب  الوفى الوسيم  .. بمجرد أن استرد وعيه أجهش فى بكاء شديد كيف أنه لم يستطع اللحاق بأستاذه قبل خروج روحه إلى بارئها.. بكت معه وشكرته على مشاعره ووفائه واقتسما الأحزان سويا، فقال لها أنه سوف يغادر فرفضت وقالت له أن بإمكانهما مشاركة الحياة كما تشاركا الحزن على فقيدهما، فقال لها كيف ذلك وهو مريض بمرض ينذر بإقتراب أجله وقد أجمع الأطباء بإستحالة نجاته إلا لو أكل مخ شخص مات حديثا، فكرت سريعا وقالت أنها لن تطق ان يموت الشاب اليافع وسوف تحضر له مخ زوجها الميت للتو، أحضرت فأس وذهبت لحجرة الفقيد، اقتربت منه ورفعت الفأس ثم تسمرت مكانها عندما فتح عينيه واعتدل ووجدت حولها الخادمة والشاب..

نظر إليها الحكيم وقال لها أليست المروحة فى يد تلك المرأة أفضل من الفأس فى يدك؟ أليست التى تجفف تراب قبر زوجها بعد دفنه أفضل ممن تكسر رأسه قبل نعيه؟...

فكر معى لماذا يغدر الغادرون؟ لم يتقلد بروتوس الحكم بعد قيصر وخسر أعز أصدقائه وبالتأكيد لم يغب عن باله أن قيصر كف عن المقاومة بعد طعنته..

توماس أديسون كان عبقريا وفذا ولم يكن محتاجا لتلك الأختراعات التى سرقها من تيسلا لتأكيد عبقريته، بل بالعكس.. فإتحاد عقليتين كعقليتى تيسلا وأديسون كانت لتنبثق عن أعداد لا نهائية من وسائل تسهيل الحياة والارتقاء بها..

التلميذ الشاب بمجرد تفكيره في غدر السيدة الجميلة بأستاذه ستسقط من حساباته وذلك الذى لو فكرت لحظة كانت ستصل إليه واضحا جليا..

الغدر يوصل للاشئ وليس من طبيعتنا البشرية.. ربما يرجعه البعض لقابيل الذى قتل أخاه ولكن فى قناعتى لا اسميه غدرا لأن القتل كان متوقعا  
۞ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ. لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ..

لأقتلك، إيذان بأول جريمة فى تاريخ البشرية، لم تأت الجريمة على بشاعتها غدرا أو سفاحا.. فلماذا مادون ذلك من الجرائم تأتى غدرا.. أعلم أن قيصر لم يمت من الطعنة وتيسلا لم يمت من الفقر ولكنهم ماتوا من الغدر.

ضربة الغدر قاضية صعبة غادرة، وعندما تأتى ممن وثقت بهم تتحول الطعنات المادية إلى أهوالا من الأحزان والخيبات تجثم على القلب فتسقطه صريعا مهشما وتكتب على شاهده وثق دهرا  فمات غدرا..

3 comments: