الأربعاء، 4 سبتمبر 2019

لو لم أكن إنساناً

أحيانا يأخذنى تفكيرى لسؤال طرحته ابنتى.. ماذا لو لم أكن إنسانا! ما شكل الكائن الذى سأكونه؟! وماذا سأفعل بشخصى الجديد؟!

فكرت أن أكون نحلة فنمط الحياة النشيط يروقنى..استيقظ باكرا وامتص الرحيق وأصنع العسل وأنظف وأعمل بجد واجتهاد.. ولكن سيرهقنى هذا النظام جدا فأنا أحب كسر الروتين مرة أو مرتين أسبوعيا، إذن سأفكر أن أكون الملكة، عمل أقل ورفاهية أكثر فلدى شغالات لإطعامى وتنظيفى وترفيهى وغير مطلوب منى إلا أن أكون أم.. ولكن كانت المفاجأة أن مهمتى مقتصرة على وضع البيض فقط وحتى الاعتناء بأطفالى سأحرم منه، وظيفتى فى غاية التخصصية والضيق.. مجرد وضع البيض إلى جانب الراحة المطلقة.. من الواضح أن كونى نحلة لا يناسبنى على الاطلاق، والمفترض ان أفكر فى كائن آخر لأكونه.

أفكر أن أكون نملة.. النمل كائن ملهم فى التنظيم والاجتهاد والذكاء.. لديهم خاصية ذكاء السرب، وظاهرة عمل جماعى غير مسبوقة..شغالات كادحات وملكة تبيض .. لو يصح ان أكون ذكرا ذا عمر قصير لفعلت ولكنى أنثى والخيارات المتاحة إما شغالة تعمل ولا تتوقف وإما ملكة تبيض ولا تتوانى.. أيهما أقرب لا أعلم ولكن ما أعلمه أننى لا أستطيع الإختباء لشهور فى جحور تتسع لمئات المستعمرات التى تحوى ملايين النمل أمثالى... اضج بالزحام ولا أستطيع التفكير أو التأمل وسط مستعمرة مليونية.. قد لا أكون نملة صالحة فلأبحث عن كائن آخر..

لا أظن أننى سأتحمل كونى سمكة.. لا أعلم عن حياة السمك الكثير لكنى أراها محفوفة بالمخاطر وأظننى سأكون أول سمكة تموت غرقا.. ربما لو أمعنت التفكير سأختار أن أكون دولفين يحبه الناس أو سمكة قرش مهيبة، أو سمكة ملونة تعيش فى أعماق البحر بعيدا عن كيد الصائدين حتى لا أجد نفسي رهينة فى حوض صغير وبى يعبث الصغار..

وجدتها..أحب أن أكون بذرة نبات..مكانى فى التربة إن وجدت الظروف غير ملائمة لحياتى سأدخل حالة كمون إلى حين تبديل الأوضاع.. وإذا وجدت الظروف على ما يرام سأمد جذورى وأثبت فى التربة وأطلق ساقى لتخترق السطح وأواجه الشمس لأنمو وأترعرع.. أعطى الجمال، أهدى الظل، وأمنح الثمار، أريد أن أكون نخلة أو شجرة زيتون أو سدر..أريد أن أكون معمرة ودائمة الخضرة..أعط بلا كلل ثمار وظل وأسمع بلا ملل حكايا أجيال وأجيال، يجلس فى ظلى العشاق ويلهو الصغار ويأكل ثمرى كل من لا زاد له..

نعم أقتنعت بكونى بذرة لشجرة مثمرة، ما الصعوبات التى من الممكن مجابهتها فى هذا النوع من الحياة.. لا شئ فلو قبلت الظروف سأمتد وأعطى الظل والثمر ولو لم أقبل سأكمن فى مكانى ولا آتى بحراك،ربما تغيرت الظروف بعدما أقرر الإنبات وحينها سأنتهج خطة الطوارئ وأنتج بذورا أخرى وأوصيها بما لم تتح لى الفرصة أن أفعل .. أن تنتهز طبيعتها وتعطى طيلة حياتها ولا تكف عن العطاء..وإن كبرت وشاخت ولم تستطع أن تثمر فلتظل فى كنفها كل عاشق و مهموم، وتنتج بذورا تحمل فى جيناتها صفات العطاء غير المشروط.. نخل أو زيتون أو سدر هى مشاريع حياة لن أعيشها لأننى إنسان، إنسان يحلم بأن تكون بداية رحلته الرائعة فى الحياة تلك التى سيبدأها كالبذرة تحت التراب..

1 comments: