السبت، 21 سبتمبر 2019

الخوف بين الوهم والحقيقة

اكرمنى الله وبعد تفكير عميق وتدبير لميزانية الأسرة لعام قادم بشراء  غسالة للصحون، تريحنى من هم المواعين التى لا تنتهى ولا ينقطع نسلها فى الحوض الذى لا يهنأ بالى برؤية أرضيته المعدنية ولا بالوعته المثقبة..همى الأكبر وهم أجيال كاملة سابقة ولاحقة سيندثر بمجرد الضغطة على حفنة أزرار لتنطلق البطلة الشجاعة فى تنظيف ما عجزت ايدينا عن دعكه وعجزت قدراتنا الخارقة على اللحاق بركابه فسرعة تكاثر الصحون أسرع من سرعة فوران اللبن الملتفت عنه..
انتظرت لإكمال حمولة الغسالة من صحون وأكواب، انتظرت حتى تمتلأ وأقوم بالإحتفال بعملية التشغيل الأولى.. أعطيت أوامر بالإسراف فى إستخدام جميع الأوانى المطبخية على غير العادة فلدينا الآن بطلة خارقة ستبتلع كل هؤلاء المشردين..
فكرت كيف أمتلأ الحوض والمطبخ والطرقات والسلالم بالصحون اليوم السابق لحضور الغسالة، سرعة هائلة وطاقة تكاثر غير مبررة.. حالا سأقطع نسل هؤلاء  الأشقياء ولن يهمنى تكاثرهم بعد الآن.. 
لنذهب بعيدا عنها قليلا حتى أفسح المجال لمزيد من الأواعى، وسأحدثكم عما يجذب المتحرش لضحيته، دوما الضحية تكون خائفة قلقه من التحرش أو من مجرد إقتراب أحد منها فتسلك سلوك مضطرب يشعر به المتحرش فيقترب وغالبا يوفق فى هذا الأمر لأن ضحيته ضعيفة وخائفة وقلقه..
الإنسان منا عبارة عن طاقة والطاقات تنجذب لبعضها البعض،وبمجرد التفكير فى خوفك من أمر ما فإن طاقتك تشحذ بفاعلية كبرى لجذب ذلك الامر بكفاءة عالية، تحسبك للخيانة يجعلك عرضة للخيانة وخوفك من السرقة يسقطك فريسة سهلة للصوص، خوفك من البخل يجذب إليك البخلاء وخوفك من الداء  هو مدخلك لعالم المرض..
الناس من خوف الفقر فى فقر ومن خوف الذل فى ذل لأنهم يجذبون بطاقتهم السلبية ما يخشون منه بقدرة عالية.. وربما لهذا السبب لم تمتلأ الغسالة إلى الآن بالصحون..الطبيعى والمتفق عليه أنى دوما كنت أخشي تراكم الصحون فى الحوض وهذا ما يجعل طاقتى كلها موجهة لجذب الصحون والأكواب بسرعة كبيرة على عكس الوضع الحالى فأنا أنتظر بفراغ الصبر تكاثرهم حتى أقطع نسلهم جميعا.. الحل الوحيد الآن أن أجرب برنامج النصف حمولة وأحتفل بعملية التشغيل الأولى..
بعد نصف ساعة بالضبط وجدت الحوض ممتلئ بأصناف شتى من الأوانى .. ماهذا المأزق السخيف فقد نسيت أن أصدر أوامرى بالكف عن الإسراف فى إستخدام الصحون طالما أن الغسالة فى وضع التشغيل..وأصبح جسدى جسم مشع ينضح بطاقات رهيبة تحول كل ما تلامسه لأوانى تذهب سريعا للحوض حيث أراها بأم عينى تتكاثر مع بعضها البعض وذاتيا وكأحاديات الخلايا لتنتج كوما هائلا يعجز معه العنصر البشرى عن تحديه وحصره، ما الذى تغير؟! إنها الطاقة، إنه الخوف..
(وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)
عندما خافت أم موسي على رضيعها تحتم عليها أن تلقيه فى اليم، بإلقاءها وليدها فى اليم فإنها قد تخلصت من طاقة الخوف التى كانت لتجذب مخاوفها إليها ويتحقق ما تخشاه، فأتى لها الوحى الإلهى بأمر الإلقاء متبوعا بالأمر بألا تخاف ولا تحزن.. وكانت النتيجة
فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ.. 
والآن بعد أن عرفت أن خوفى سيجلب لى مزيدا من المخاوف، والحزن سيجتر أحزان ، والصحون ستجلب آلاف مثيلتها، فسأروض مجال طاقتى لإجتذاب كل ما هو إيجابى فقط وسأتخلص من مخاوفى التى لن تأتى إلى إلا بمزيد منها..

1 comments: