الأربعاء، 25 سبتمبر 2019

يا عمرى: لحظة

          أحضرت لى أختى ساعة كهدية لعيد الام هذا العام، ولفرحتى بتلك الهدية القيمة تأملتها كثيرا.. ساعة كبيرة لها عقارب متناهية الصغر، كلما تفحصتها أحتاج للتدقيق فيها لأعرف إتجاه العقارب وإلام تشير.. فكرت لوهلة لماذا تتحرك العقارب فى هذا الإتجاه بالذات؟ حتى الإتجاه الآخر يسمى عكس إتجاه عقارب الساعة.. لم نحدده حتى أو نعنى بتحديده إلا أنه ضد إتجاه عقارب الساعة..

هل لو كانت العقارب تتحرك فى غير النمط المشهور ستنفرط أو تتطاير التروس فى كل إتجاه.. طالما لن يحدث ذلك فلماذا هذا الإتجاه دون الآخر؟ قيل أن الحركة الدائرية لظل عصا فى منتصف الكرة الشمالى هى من أوحت لهم بفكرة حركة العقارب.. إذن فلماذا لم يأخذوا بظل عصا وضعت فى منتصف الكره الجنوبى! ألم يعلموا أن هذا الإختراع سيكون عالميا يستخدمه الإنسان فى كل بقاع الأرض؟!.

طول التأمل جعلنى أتخيل حياتى على ميناء الساعة والعقارب هى المعول الذى يأخذ من عمرى دون هوادة وبمعدل ثابت ونشيط.. يحفر المعول من عمرى ويقذف بالحفر وراء ظهره، لا يبالى ولا يكل ولا ينظر خلفه، هل رأيت من قبل عقرب ينظر خلفه ؟!.

معدل الحفر ليس بالعمق ولا بكمية مخلفات الحفر ولكنه بالثانية.. كل ثانية من عمرى يلتهمها معول العقارب إلتهاما نهما... لم أكن أعلم أن ذلك الجزء غير المحسوس فى وقتى مهما جدا لهذه الدرجة.. معولى بدأ يتضخم وأصبحت أراه بوضوح عن قبل، أترى هذا أثر الثوانى الملتهمة أم أثر شدة التدقيق!.

ماذا لو صنعت أحدى الشركات ساعة عقاربها عكس الاتجاه.. ويكون عملها عكس الساعة المتعارف عليها هل ستقوم بردم حفر العمر العميقة! ومن أين ستأتى الحفر أصلا.. هل فاتنى أنها ستحفر هى الأخرى فى ميناء عمرى لكن فى إتجاه آخر! إذن يا ويلتى ستحفر هى الأخرى وستتغذى عقاربها على ثوانى عمرى ودقائقه..

نخرج عن الصندوق ونصنع ساعة بدون عقارب.. لا مزيدا من المعاول ولا الحفر، ساعة هادئة ميناءها ناعم ولطيف تزدان بها يدى ويرتاح لها قلبى، تنظر للساعة ولا تذكرك أن العمر يمضي، إحساس مرضى وجميل..

 لا لحظة! هل سأبتهج لشئ يخفى عنى الحقيقة السابغة وهل سؤارى سوءة عمرى الضائع بورقة الساعات غير المعقربة تلك؟!. 

سأحسم أمرى وأشترى ساعة رقمية وراحتى معها.. بلا عقارب ومعاول وميناء ولن تضيع فرصتى _إن أردت _فى تذكر أن العمر دقائق وثوان.. ساعة إبنتى رقميه أتيت بها ونظرت فيها.. ويالهول ما رأيت..

وجدت خانات ثلاث،إحداهن راسخة ثقيلة كالهموم على القلب.. والثانية تتغير بتردد كدقات قلب محب ينظر لبحر عيون حبيبه فهو من العشق فى حيرة أيعدو مقبلا ويغرق أم يدبر وينجو..والاخيرة أرقامها سريعه لا أكاد اتبينها من السرعه  كدقات قلب خائف مرتجف يفصل بينه وبين أسد ضار بعض السنتيمترات، بمجرد وقوع النظر عليها ترتفع أنفاسك ويدخل جسدك حالة من الطوارئ ويبقي عليك أن تعدو.. أنت  فى ماراثون خصمك فيه شديد وسريع وثمن الخسارة جزء من عمرك.. وإن كان هذا الجزء الأخير فسيكون الثمن حياتك.

لن أتغافل تلك النقطتين الرأسيتين البغيضتين بين كل خانة والأخرى والتى تتحركان كأنهما مؤقت قنبلة موقوتة ستنفجر فى أى وقت.. لم تكذب إشاراتهما فالعمر قد ينقضى فى أى وقت و ينتهى كل شئ..

هنا أدركت طبيعة المشكلة وهى بعيدة تمام البعد عن نوعية الساعة واتجاه عقاربها، إنما المشكلة فى عدم تقبلى لفكرة تناقص عمرى بمعدل ثانية كل ثانية، أو عدم إستعدادى لإنهاء رحلتى هذه اللحظة.. ربما أحتاج مزيدا من الوقت لأرتب أمتعتى و أزين دارى الجديد، ربما أحتاج المزيد لأتعلم وأعلم وأحتضن بناتى وأخوتى، ربما أحتاج المزيد لأترك أثر وأخاف أن تمنعنى المفاجأة من تركه عميقا راسخا جميلا..

 أحتاج المزيد من الحكمة والوقت وترك الأثر ولا أحتاج مزيدا من الساعات والموانئ والعقارب..

2 comments: