الأحد، 22 سبتمبر 2019

لا تدع الحب

قامت مارينا إبراموفبيتش وهى فنانة صربية بتجربة أداء مخيفة إلى حد كبير،. التجربة عبارة عن منضدة عليها ورود وخبز ودبابيس وسكاكين ومسدس وبعض الأغراض الأخرى، وتعهدت بأن تقف بلا حراك لمدة ست ساعات كاملة وحينها يكون بمقدور أى شخص أن يفعل بها مايشاء.. فى البداية أقترب البعض وأهداها ورودا جميلة وقبلوها وعبثوا بخصلات شعرها، وحين تأكد آخرون من تمام إستسلامها قاموا بالتحرش بها وغرس الأشواك فى جسدها وجرحها بالسكين وقام أحدهم  بإشهار المسدس فى وجهها وهم بقتلها لولا تدخل الأمن..

ست ساعات كاملة تتجرع فيها مارينا صنوفا من العذاب وتنهار داخليا كالشمع المحترق ويتأذى جسدها أيما أذى.. بعد إنقضاء هذه الساعات الطويلة تحركت مارينا وهرع من قاموا بإيذائها خوفا من إنتقامها ولكنها لم تفعل شيئا حسب التعهد المبرم مسبقا..

قد تكون لم تتخيل أن تصل القسوة لمثل هذا الحد فأعطت الأمان، قد تكون توقعت بعض العنف لكن من المؤكد انها تفاجأت بكمية الشر والغل الموجودين فى نفس بعض البشر كما تأكدت أنت الأن..

هناك مقولة شائعة تقول الكل شريف حتى تأتى العاهرة.. بمعنى أن الكل يدعى الطهر طالما لم تختبر مبادئه فى مختبر الحياة، طالما لم تقترب من الفتنة فأنت تتغنى بمدى طهرك وعفتك،وإن اقتربت فأنت نفسك غير متأكد ستهزم الفتنة أم أنها ستهزمك..

هناك أشخاص فى حياتنا يدعون الحب.. هل أختبرت هذا الحب من قبل؟ هل احتجته فى يوم  وترك كل إنشغاله وأقبل عليك؟ هل عندما تعارضت إرادتكما تنازل هو ليرضيك؟ هل سامحك عند الغياب وحفظ غيبتك وقت الخصام وأبتدأ بالصلح والمودة؟ هل حافظ على ما بينكما فى أحلك الظروف وأصعبها؟ هل تغنت أفعاله بالحب إلى جانب الأقوال؟.. الإجابة حتما ستحسم صدق حبه من إدعاءه، الكل يحب جدا ويخلص جدا فى الظروف العادية ولكن تحت الضغط البعض هو الصادق والأكثر مدعون..

لا تتهم المجرمين الذين ألحقوا بمارينا الاذى بالشراسة والعدوانية.. أبدا لا تفعل، ولكن فكر لو كنت هناك ماذا ستفعل؟ هل ستسئ الأدب عندما تأمن العقاب؟ أم ستحترم قدسية هذا الجسد البشرى الذى أمامك وتنتهى عن إيذائه.. هل وجدت الإجابة؟..

فى تراثنا الشعبى مثل يقول  '' اللى على البر شاطر '' أى أنك عندما تكون بعيدا عن المياه ستظل تستغبى من فى الماء وتملى عليه الأفعال وتنهره لينقذ نفسه فى حين أنك لو مكانه من المحتمل أن لن يتغير رد فعلك عنه كثيرا.. ولكنها الطبيعة البشرية التى تملى علينا أن الآخر خطأ لا يحتمل الصواب، الآخر مؤذى وقاس، آه لو كنت مكانه لفعلت كذا وكذا.. 

العديد من المرات آلمت بكلمة، وأحزنت بتصرف، وخذلت بغياب، وخيبت آمال بوجع، كم مرة كان ذنبك أن فعلت وقت لا ينفع فيه الفعل، وكم مرة لم تفعل فى حين كان المرتجى الوحيد فعلك.. 

مجرمو مارينا جرحوا  الجسد بموافقتها وصمتها ومع ذلك حزنت.. فلماذا إذن يا مجرم لم تحزن عندما جرحت قلوب ومشاعر رغم رفضها الألم بالكلام والفعل.. مجرمو مارينا لم يعرفوها ولم يتذوقوا عسلها.. أما أنت أيها المجرم فقد شبعت حد التخمة من شهد أحبابك ومع ذلك كله جرحتهم.. 

قبل أن تتهم مجرمى مارينا بالقسوة والوحشية راجع أفعالك مع من تحب وقارن أى الجروح أولى بالتعاطف والتضميد، ضع نفسك ولمرة فى موضع الغريق وانظر هل ستتسم قراراتك بالعقلانية المطلقة التى كنت تدعيها حيث كنت على البر؟ لا تدعى الرحمة .. لا تدعى العقل.. لا تدعى الحب قبل إختبار نفسك تحت نفس الظروف التى فرضت على الآخرين تلك الأفعال التى لم تروقك، حينها فقط لك أن تحكم وتشيد برحمتك وعقلك وحبك.

2 comments: