الأحد، 12 أبريل 2020

كورونا 3


بعد ان اجتاح المرض البلاد، وكسدت التجارة وتعطلت الصناعة وبلغ الخوف مبلغه عند الجميع.. ظل راضي يبحث عن أى فرصة للعمل ولو حتى بنصف الأجر..أى عمل بأى مقابل فهو عامل مجتهد يتقن العديد من الحرف والمهارات، يبنى الجدران ويدهن الحوائط وينقل المؤن ويركب الارضيات وينحت فى الصخر..
فى كل صباح ينطلق عارضاً خدماته ويسأل الله الرزق، وماكان الشك يتسرب لقلبه أبداً بأن الله سيحرمه ولن يرزقه.. كان يبتسم عندما يتذكر صوت ابيه الهرِم "انت ياراضي يابنى سبع صنايع والبخت ضايع" فيرد على أبيه مهوناً عليه رقة الحال بأن من يمتلك قلوباً تخاف عليه وتحزن لحزنه لا يضيع أبداً وحظه فى السماء..
منذ بداية الجائحة وراضي لايعمل،فشئون المعمار تعطلت ومن يمتلك قرشاً قرر ان يبقيه فى جيبه حتى تنكشف أمامه الظروف، إذن ماذا يفعل المسكين وتنتظره أفواه جائعة وأجساد تعوز الدواء..
لم يكف راضي عن البحث والتنقل بين الأماكن المختلفة لعرض خدماته..ورأى أن فى الاستدانة حل لمشكلته المؤقتة..لكن ممن يستدين! فكل معارفه عمال باليومية مثله ولا يمتلكون أى مصدر دخل آخر..فعلا الطيور_المسكينة_على اشباهها تقع ..
كل مساء يسمع حكايات أبيه للاطفال عن الرضا والسعادة المؤجلة وان الشجعان هم من يتعاملوا بصبر مع عوز الاساسيات،وأن الابطال يستطيعون أقتسام الموجود بفرحة وإن قل.. فيضحك الأطفال ويتقاسمون الخبز الجاف فرحين بلقبهم الجديد،هم أبطال الصبر وشجعان الكفاف..وما أن ينام الأبطال حتى يسمع صوت أنات العجوز المكتومة التى تشي بأنه لم يتعاطى علاجه من فترة كبيرة..زاد عليه الالم وزاد على الالم الجوع والفقر والإحتياج..
يدعو راضي حينها "اللهم إنى أعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال"،كل حواسه تنطق بالدعاء..متى ستنكشف الغمة وأعمل حتى اوفر دواء أبى وطعام اطفالى!  ، اللهم عمل.. أى عمل يارب.. ينطق بها قلبه قبل لسانه..فالقهر الحقيقى ان ترى من تعول يعوزون أساسيات العيش وتظل انت مكتوف الايدى بقيود من عجز و ذل وإنكسار..
صباح اليوم التالى استيقظ راضي على طرقات على الباب، أحد زملاؤه المساكين يكاد يرقص فرحاً احتضن راضي قائلاً " شغلانة جاتلى وقلت أنت أولى واحد بيها معايا، يلا البس وتعالى "
هرول راضي حامداً الله عزوجل الذى ما رد دعائه،وسيقيه غلبة الدين وقهر الرجال ببضع جنيهات ستحل ازماته المستعصية..وصل هو وزميله إلى موقع العمل المطلوب، عشرات من العمال يعملون فى تشطيب أحد العمائر الجديدة وستكون وظيفته دهان المبنى من الخارج.. لاضير من هذا العمل الشاق طالما سيجنى المال،فما أشق على نفسه من أنات ابيه وبكاء صغاره..



1 comments:

  1. وددت أن يجد راضى من يحنو عليه أصحاب الملايين فى هذه الازمه

    ردحذف