الخميس، 12 ديسمبر 2019

حتى النهاية

هناك فى منطقة ليست ببعيدة أقيمت مسابقة وحشدوا لها جميع فتيات المنطقة، مسابقة غامضة بعض الشئ بل فلنقل غامضة جداً.. قامت إحدى الفتيات بسؤال اللجنة عن شروط المسابقة والأوراق اللازمة للتقدم فنهروها بشدة قائلين" الصبر طيب..لحظات وسنعلن البداية وستعرفين كل شئ فى ميعاده المحدد" ..

خط البداية عليه حشد غفير من الحسناوات،وأعضاء اللجنة شرعوا فى توزيع حقائب من الأقمشة المتينة ترتديها كل متسابقه على ظهرها وتنطلق صافرة تعلن البداية.

تتلفت الفتيات ماذا عليهن أن يفعلن،يحملقن فى بعضهن البعض وينتظرن الأمر بالتحرك وماهى طبيعة الحقيبة الضخمة التى سلمونا أياها وما أهميتها؟!  أسئلة كثيرة من كل صوب قطعها أمر عبر مكبرات الصوت بالجرى..  

لحظات وأستوعبت الفتيات الأمر وشرعن فى الجرى،أمر آخر عبر المكبرات أن ضعِ كل أوراقك وشهاداتك وسيرتك الذاتية فى الحقيبة وهرولى بسرعة،ومع لافتة إرشاديه بوجود منعطف خطر فى الطريق نادت المكبرات أن تقوم كل متسابقة بإلتقاط رفيق يشاركها المسابقة وهذا شرط إجبارى لا يمكن تخطيه..

وقبل أن تفكر الفتيات ظهر أمامهن عدد مهول من الذكور فأختارت كل واحدة ذكراً رأته مناسباً ظاهرياً..سريعاً سريعاً قطعت المتسابقات مسافة ليست قصيرة وكلهن آذان صاغية للأمر التالى..

"أمامك منعطف ستجدين فيه الزاد لبقية الرحلة،تزودى وتسلحى بما يعينك على بقية المسافة..هششش لا تسألن عن المسافة فالأمر متروك للجنتنا الموقرة وسنحيطكم علماً بالتعليمات تباعاً".هذا ما وصل لأسماع الفتيات عبر مكبرات الصوت فأنطلقن يتزودن مما يجدنه فى الطريق لكن الأمر العجيب أن كل شئ مغلف ومكتوب على غلافه ممنوع الفتح،كيف أتزود بشئ لا أعرف كنهه؟!وكيف سأدبر إحتياجى طالما لا أعلم مابداخل ما أجد..السرعة مطلوبة والزاد كذلك،فلتستخدم كل فتاة حدسها فى إلتقاط الحاجيات..شرعت الفتيات فى إلتقاط ما تجد،فمنهن من أختارت ماتجده ثقيلا ظناً ان كل ثقيل فخيم،ومنهن من أختارت الخفيف ظناً أن المسابقة عمرها قصير ومن الممكن ترشيد إحتياجاتها مهما كانت أثناء الرحلة..

الحمل أصبح ثقيلاً..ثباطئت الخطوات وتعالت الأنفاس وبدأ اليأس يتسرب لنفوس المتسابقات، كما تسرب إلى نفوسهن سؤال عن جدوى السعى والهرولة وفضول عن زادى الذى أحمل!،ومتى سآخذ الفرصة لأكتشفه! ..ثم قطع أفكارهن صوت ذلك  المكبر البغيض أن أسمعوا وأنتبهوا فقد استحدثت اللجنة قراراً وستبدأ بتنفيذه على الفور، وقد نص القرار على وجود شرط جزائى لمن تقرر أن تخرج من المسابقة قبل تمامها او تخل بشرط من الشروط أو أمر من الأوامر التى نواليكم بها تباعاً ونتمنى للجميع التوفيق.. 

ذهلت الفتيات من هذا القرار خاصة أن البعض قد قرر ان يتنحى ويبتعد عن هذا السباق الغامض، حالة من الغضب والرفض قطعها صوت للمكبر يقول "لقد وصلتنا همهمة الملل والسأم وقد قررنا منحكم أول إجازة بإستخدام ما تزودتم به، تزودوا ولا تفنوا أشيائكم فقد قررت اللجنة مد مدة الرحلة". 

بدأت كل فتاة بفتح زادها، فعلى الزهول جميع الوجوه لأن ما قيل عنه أنه زاد كان بشعاً،أو لنقل أشياء كانت جميلة ولكنها فى ثوب بشع ورائحة بشعة..تأففت جميع الفتيات واحترن فى الأمر وبينما تأمرهن المكبرات بسرعة التحرك قامت إحداهن بحزم زادها من جديد وانطلقت،وبدون وعى من الأخريات صنعن نفس صنيعها ولحقن بها..

فى الطريق إشارة حمراء كبيرة لا يمكن تجاهلها،ياترى ما أمرها؟! بمجرد أن وصلت لها الفتيات سمعن مكبرات الصوت تنادى فيهن أن إسمعوا وعوا..فإن الطريق طويل وسيزداد وعورة فعلى كل منكن أن تحمل الرفيق على ظهرها!ومن الممكن الاستغناء عن شئ ما من الحقيبة كى تتسع للضيف الجديد، ومن الممكن أن تطلب كل واحدة منكن طلباً واحداً يعينها على الرحلة ولكنه سيكون آخر طلب..انتهى البيان.

ذهلت الفتيات وشرعت كل واحدة فيهن بالتفكير عن ماذا ستستغنى كى تضع الرفيق،وكيف ستتحرك به وما هو الطلب الذى ستطلبه؟ الزاد الذى حملته الفتيات مجهول وتخشى كل واحدة منهن الإستغناء عن شئ وتحتاجه فى الرحلة،وجدت بعضهن الاوراق والشهادات وبعض الملفات فأستغنت عنها،وكذلك بعض الأغراض المجهولة واستجمعت كل القوى لتحمل الرفيق فى الحقيبة،وكان الطلب أن تنتهى الرحلة أو يلغى الشرط الجزائى او يزال الغموض وتنسدل أستار النهاية..

والبعض قد سأل عن إمكانية أن تستبقي على كل أغراضها ويظل الرفيق ماشياً بجوارها أو يحمل معها أو يتبادلوا الأدوار معاً وحين تتعب من الحمل الثقيل يقوم هو بحمل الحقيبة وحملها..

الليل شمل المكان، اتشحت السماء بالسواد، والوجوه بالإرهاق والملل..مكبرات الصوت تهدد اللائى تركن السباق ورمين الحقائب بالشرط الجزائى..وتؤمل الباقيات بأن النهاية قد اقتربت وستنطلق صافرة النهاية عن قريب..وماهى إلا دقائق ودوى فى الأفق صوت صافرة النهاية..
                              ................................
يضع مجتمعنا الفتيات بعد بلوغهن سن معين فى قالب الزواج، لابد وأن تتزوج وإلا ستلاحقها التساؤلات..تساؤلات كثيرة ومتعددة لكن ليس من  بينها هل هى مؤهلة لحمل مسئولية مشروع كبير كهذا وهل يتحمل ظهرها حمل تلك الحقيبة الثقيلة؟!.. 
توضع الفتاة قسراً أو طواعية على خط البداية، تأمل المسكينة بأن تملأ حقيبتها بالأحلام الوردية والمشاريع المستقبلية وأن يأتى الفارس الهمام ويلتقطها إلى أرض الأحلام حيث كل طلب مُجاب،وكل حلم واقع..

يأتى عليها وقت الإختيار فتقف حائرة،لم تتأهل لمثل هذه اللحظة فتمد عينيها يمنة ويسرة فتجد صديقتها التى اهتمت بالظاهر وتزوجته، وقريبتها التى أختارت المال وتزوجته، وأخرى بعيدة اهتمت بالبواطن ولم تتزوج حتى الآن_ حاشاى أن أنتظر لابد أن أختار الآن _ وتختار المسكينة أقرب رفيق حتى تلحق بركاب الرحلة..

يتم الزواج وتتسلم المسكينة عهدتها من المسئوليات.. حقيبة من المفاجآت؛ مجتمع جديد، مهام مختلفة، أطفال،أسرة زوج،ومتطلبات لا تنتهى..وهنا تلطمها المفاجأة..أليست هذه رحلة ترفيهية؟! أليست وجهتنا أرض الأحلام؟! أين أحلامى ومشاريعى التى وٌعِدت بتنفيذها؟!.. وما تكاد تستفيق حتى يٌطلب منها أن تحمل حقيبتها وتمضي فى هدوء ولا مجال للتراجع وإلا سيٌطبق عليها الشرط الجزائى المجتمعى البحت..

إن ناءت بكِ الأحمال،إن ضقتِ ذرعاً بالمهام الجديدة، إن تفاجأتِ بسوء الرفقة، أو لم تستطيعى للإكمال صبراً فياويلك الوبيل ويا ليلك الطويل.. ستطردين إنسانياً وستّعزلين مجتمعياً وتنهكين نفسياً ولا مجال للخطأ إلا عندك..أسأتى فى البداية فلتتحملى للنهاية..وماذنب الأطفال والاسرتين والأصدقاء والمعارف ليعاقبوا بالإنفصال؟!  سوء إدراكك أو عدمه فى البداية هو المشكلة فلتبتلعى وزرك وتمضى فى صمت...

الآن وبعد أن استوعبتِ الدرس وأستفقتِ من خيالاتك الضارة،عليكِ أن تقيمى المائل وتحلى المر وتجملى الواقع المشوه.. احملى زوجك وحقيبة مهامك وأمضى _بهدوء ودون تذمر _ حاولى أن تتخلى عن أحلامك ومشاريعك الخرافية فقد تعطلك وتثقل كاهلك.. تخففى لأقصى درجة من أمنياتك وذوبى فى مسئولياتك حد التشبع، لا تطلبى ولا تأملى ولا تحلمى..فقط عيشي الواقع الذى اخترتيه بجهل وسقطتِ به سهواً..نعلم أنه خطأ من البداية ولكن عليك ِ أن
.. تحييه بشكل صحيح حتى النهاية




1 comments: